الأحد، ٢٧ مارس ٢٠١١

الأجنبيــــــــــــــــــــة -جزء من المقال -


قال: يا إخواني المصريين، قبل أن أنفُض لكم ذلك الخبر أسديكم هذه النصيحة التي لم يضعها مؤلف تاريخي لسوء الحظ، إلا في الفصل الأخير من رواية شقائي:
إياكم إياكم أن تغتروا بمعاني المرأة، تحسبونها معاني الزوجة؛ وفرِّقوا بين الزوجة بخصائصها، وبين المرأة بمعانيها، فإن في كل زوجة امرأة، ولكن ليس في كل امرأة زوجة.
واعلموا أن المرأة في أنوثتها وفنونها النسائية الفردية، كهذا السحاب الملون في الشفق حين يبدو؛ له وقت محدود ثم يمسخ مسخًا؛ ولكن الزوجة في نسائيتها الاجتماعية كالشمس؛ قد يحجبها ذلك السحاب، بيد أن البقاء لها وحدها، والاعتبار لها وحدها، ولها وحدها الوقت كله.
لا تتزوجوا يا إخواني المصريين بأجنبية؛ إن أجنبية يتزوج بها مصري, هي مسدس جرائم فيه ست قذائف:
الأولى: بَوار امرأة مصرية وضياعها بضياع حقها في هذا الزوج؛ وتلك جريمة وطنية فهذه واحدة.
والثانية: إقحام الأخلاق الأجنبية عن طباعنا وفضائلنا في هذا الاجتماع الشرقي، وتوهينه بها وصدعه وهي جريمة أخلاقية.
والثالثة: دس العروق الزائغة في دمائنا ونسلنا؛ وهي جريمة اجتماعية.

والرابعة: التمكين للأجنبي في بيت من بيوتنا، يملكه ويحكمه ويصرفه على ما شاء؛ وهي جريمة سياسية.
والخامسة: للمسلم منا إيثاره غير أخته المسلمة، ثم تحكيمه الهوى في الدين، ما يعجبه وما لا يعجبه؛ ثم إلقاؤه السم الديني في نبع ذريته المقبلة، ثم صيرورته خِزيًا لأجداده الفاتحين الذين كانوا يأخذونهن سبايا، ويجعلونهن في المنزلة الثانية أو الثالثة بعد الزوجة؛ فأخذته هي رقيقًا لها، وصار معها في المنزلة الثانية أو الثالثة بعد1... وهذه جريمة دينية.
والسادسة بعد ذلك كله: أن هذا المسكين يُؤثر أسفله على أعلاه... ولا يبالي في ذلك خمس جرائم فظيعة.
وهذه السادسة جريمة إنسانية!

ما كنت أحسب يا إخواني، وقد رجعت بزوجتي الأوروبية إلى مصر، أني أحضرت معي من أوروبا آلة تصنع أحزاني ومصائبي! ولم يكن وعظني أحد بما أعظكم به الآن، ولا تنبهت بذكائي إلى أن الزوجة الأجنبية تثبت لي غربتي في بلادي! وتثبت علي أني غير وطني أو غير تام الوطنية، ثم تكون مني حماقة تثبت للناس أني أحمق فيما اخترت؛ ثم تعود مشكلة دولية في بيتي، يزورها أبناء جنسها ويستزيرونها رغم أنفي وفمي ووجهي كله! ويستطيلون بالحماية، ويستترون بالامتيازات، ويرفعون ستارًا عن فصل، ويُرخون ستارًا على فصل... وأنا وحدي أشهد الرواية!
إن الشيطان في أوروبا شيطان عالم مخترع. فقد زين لي من تلك الزوجة ثلاث نساء معًا: زوجة عقلية، وزوجة قلبية، وزوجة نفسية؛ ثم نَفَث اللعين في رَوْعي أن المرأة الشرقية ليس فيها إلا واحدة، وهي مع ذلك ليست من هؤلاء الثلاث ولا واحدة. قال الخبيث: لأنها زوجة الجسم وحده، فلا تسمو إلى العقل، ولا تتصل بالقلب، ولا تمتزج بالنفس؛ وأنها بذلك جاهلة، غليظة الحسن، خَشِنة الطبع، لا تكون مع المصري إلا كما تكون الأرض المصرية مع فلاحها.
لعنة الله على ذلك الشيطان الرجيم العالم المخترع! وما علمت إلا من بعد أن هذه الشرقية الجاهلة الخشنة الجافية، هي كالمنجم الذي تِبْره في ترابه، وماسه في فحمه، وجوهره في معدنه؛ وأن صعوبتها من صعوبة العفة الممتنعة، وأن خشونتها من خشونة الحب المعتز بنفسه، وأن جفاءها من جفاء الدين المتسامي على المادة؛ وأنها بمجموع ذلك كان لها الصبر الذي لا يدخله العجز، وكان لها الوفاء 
الذي لا تلحقه الشبهة، وكان لها الإيثار الذي لا يفسده الطمع.

هي جاهلة، ولها عقل الحياة في دارها، وغليظة الحس ولها أرق ما في الزوجة لزوجها وحده؛ وخشنة الطبع؛ لأنها تتنزه أن تكون ملمسًا ناعمًا لهذا وذاك وهؤلاء وأولئك... لا كامرأة الحب الأوروبية، التي تجعل نفسها أنثى الفن، ويريد أن تعيش دائمًا مع زوجها الشرقي من التفضيل والإيثار والإجلال والإباحة, في كلمة "أنا" قبل كلمة "أنت"... امرأة أنشأتها الحرب العظمى بأخلاق مخربة مد مرة تنفجر بين الوقت والوقت.
عندنا يا إخواني تعدد الزوجات، يتهموننا به من عمى وجهل وسخافة. انظروا، هل هو إلا إعلان لشرعية الرجولة والأنوثة، ودينية الحياة الزوجية في أي أشكالها؛ وهل هو إلا إعلان بطولة الرجل الشرقي الأَنُوف الغيور، أن الزوجة تتعدد عند الرجل ولكن... ولكن ليس كما يقع في أوروبا من أن الزوج يتعدد عند المرأة!
يتهموننا بتعدد المرأة على أن تكون زوجة لها حقوقها وواجباتها -بقوة الشرع والقانون- نافذة مؤداة؛ ثم لا يتهمون أنفسهم بتعدد المرأة خليلة مخادنة ليس لها حق على أحد، ولا واجب من أحد، بل هي تتقاذفها الحياة من رجل إلى رجل، كالسكير يتقاذفه الشارع من جدار إلى جدار.
لعنة الله على شيطان المدنية العالم المخترع المخنث، الذي يجعل للمرأة الأوروبية بعد أن يتزوجها الرجل الشرقي أصابع "أوتوماتيكية"، ما أسرع ما تمتد في نزوة من حماقاتها إلى رجلها بالمسدس، فإذا الرصاص والقتل؛ وما أسرع ما تمتد في نزوة من عواطفها إلى عاشقها بمفتاح الدار، فإذا الخيانة والعهر!!
ماذا تتوقعون يا إخواني من تلك الرقيقة الناعمة، المتأنثة بكل ما فيها من أنوثة تكفي رجالًا لا رجلًا واحدًا، وقد ضعُفت روحية الأسرة في رأيها، وابتُذلت الروحية في مجتمعها ابتذالًا، فأصبح عندها الزواج للزواج على إطلاقه، لا لتكون امرأة واحدة لرجل واحد مقصورة عليه؛ وبذلك عاد الزواج حقا في جسم المرأة دون قلبها وروحها؛ فإن كان الزوج مشئومًا منكوبًا لم يستطع أن يكون رجل قلبها, فعليه أن يدع لها الحرية لتختار زوج قلبها! ومعنى ذلك أن تكون هذه المرأة مع الزوج الشرعي بمنزلة المرأة مع فاسق؛ ومع الفاسق بمنزلة المرأة مع الزوج الشرعي! وإن كان الرجل منحوسًا مخيبًا، وكان قد بلغ إلى قلبها زمنًا ثم مله قلبها, فعليه أن يدع لها الحرية لتتنقل وتلذ بلذات الهوى، ويقول لها: شأنك بمن أحببتِ! فإن هذا المنحوس المخيب ليس عندها إنسانًا، ولكنه رواية إنسانية انتهى الفصل الجميل منها بمناظره الجميلة، وبدأ فصل آخر بحوادث غير تلك. فلمن يشهد
الرواية أن يتبرم ما شاء، ويستثقل كما يشاء، ومتى شاء انصرف من الباب!
امرأة هذه المدنية هي امرأة العاطفة؛ تتعلق باللفظ حين تُلبسه العاطفة من زينتها، وإن ضاع فيه المعنى الكبير من معاني العقل، وإن فاتت به النعمة الكبيرة من نعم الحياة.
تقوى العاطفة فتجيء بها إلى رجل، ثم تقوى الثانية فتذهب بها مع رجل آخر! وتفيد نفسها إن شاءت وتُسرّح نفسها إن شاءت؛ وما بد من أن تبلو الحياة كما يبلوها الرجل وأن تخوض في مشاكلها؛ وإذا شاءت جعلت نفسها إحدى مشاكلها! ولا مندوحة من أن تتولى شأن نفسها بنفسها، فإذا خاست أو غدرت فكل ذلك عندها من أحكام نفسها، وكل ذلك رأي وحق، إذ كان محورها الذي تدور عليه هو عاطفتها وحرية هذه العاطفة، فمن هذا يقرر لها خطتها، ويملي عليها واجباتها، ويزوّر لها الأسماء على إرادته دون إرادتها، فيسمي لها نكد قلبها باسم فضيلة المرأة، وحرمان عاطفتها باسم واجب الزوجة الشريفة!
ومنذ خَوَّله الحق أن يقرر وأن يملي!
وهذا الشرقي العتيق المأفون الذي قبلها سافرة لا تعرف روحها ولا جسمها الحجاب؛ ما باله يريد أن يضرب الحجاب على عاطفتها، ويتركها محبوسة في شرفه وحقوقه وواجباته، وإن لم تكن محجوبة في الدار؟!
ما علمت يا إخواني إلا من بعد، أن الزوجة الغربية قد تكون مع زوجها الشرقي كالسائحة مع دليلها. هيهات هيهات، إنه لن يمسكها عليه، ولن يكرهها على الوفاء له، إلا أن تكون حثالة يزهد فيها حتى ذباب الناس؛ فيأسها هو يجعل هذا المسكين مطمعها، وهي مع ذلك لو خلطته بنفسها لبقيت منها ناحية لا تختلط، إذ ترى أمته دون أمتها، وجنسه دون جنسها؛ فما تسب أمة زوجها وبلاده بأقبح من هذا!
أما والله إن الرجل الشرقي حين يأتي بالأجنبية لتلوين حياته بألوان الأنثى, لا يكون اختار أزهى الألوان إلا لتلوين مصائب حياته! وقد يكون هناك ما يشذ، ولكن هذه هي القاعدة.
أما قصتي يا إخواني...
قال الدكتور محمد: قد حكيتَها "يرحمك الله".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق